في ظل التطور الطبي لم يعد هناك غموض في أمراض الذكورة والعقم

تؤكد الدراسات أن مرحلة الطفولة هي الركيزة والأساس الذي يتم خلالها تشكيل الوعي والوجدان , فكل مشهد بصري , وكل موقف وكل سلوك , بل كل لحظة من اللحظات التي عشتها كما هو الحال عند كل طفل وضعت لبنة ودعامة قوية في تشكيل حياتي , وتكوين شخصيتي , فإذا ما أضفت أن هذه الطفولة الأولى كانت بمكة المكرمة, وأحياء هذا البلد الكريم فلا شك أن الأمر مختلف اختلافا كبيرا, فعندما يصطحبني والدي إلى البيت الحرام، وأتذكر حنوه وأنا أخطو ,و أحث الخطى بين المصلين، وتمتلئ عيناي بمشهد بيت الله الحرام, تمتلئ الروح في هذه السنوات طمأنينة وأمانا، ومع السنوات يزداد التحمل والتكليفات بالتعلم واكتساب المهارات المختلفة فتعلمت القراءة والكتابة في الحرم المكي وأتممت دراستي الأساسية.. الابتدائي والمتوسط والثانوي بجدة وقد كان لوالدي الفضل الكبير بعد الله سبحانه وتعالى في التحاقي بكلية الطــب، حيث كان يناديني دائما في طفولتي بلفظ ” دكتور طلال ” فكبر الحلم معي وأصبح واقعا.

ولاختيار تخصصي في جراحة المسالك البولية والتناسلية فكان في فترة أن كنت طبيبا معيدا وطبيب امتياز، وكنت أعمل مع طبيب سويدي الجنسية يدعى ” بيترسون” وطبيب استشاري أمريكي يدعى ” كريستيان سون ” بمستشفى الملك فهد الطبي في منطقة الباحة وكان لأدائهم المهني دافع قوي جعلني أحب هذا التخصص فأنجزت دراسة الدكتوراة في جامعة دوسلدروف عام 1993م

وعندما عدت إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي ولم يكن هناك أي طبيب سعودي متخصص ولديه شهادة أو ترخيص في علاج العقم والجراحات الميكروسكوبية للرجال، فابتعثتني المستشفى إلى بروكسل ببلجيكا بتحفيز من معالي السفير أسامة بن عبد المجيد شبكشي حيث تخصصت في هذا المجال الطبي الدقيق, ثم ابتعثتني المستشفى أيضا إلى هولندا حيث حصلت على شهادة التخصص في تشخيص وعلاج العجز الجنسي وأمراض الذكورة من جامعة نيماجن فكنت بذالك أول طبيب سعودي في هذه التخصصات الدقيقة والنادرة.

في هذه المرحلة وهذا التنقل المتواصل كان يملؤني الشغف للمعرفة والنهم لتحصيل العلوم متحديا كل صعاب الغربة ، يحدوني الأمل في كل ذلك أن أعود إلى الوطن لأرد شيئا ولو ضئيلا مما منحني إياه وطني ومجتمعي الذي أعتز بالانتساب إليه.

لقد كانت سنوات عملي وخبراتي في أماكن مختلفة مما هيأ لي الفرصة للتعرف على اتجاهات متعددة منها المستشفى العسكري في جدة ومستشفى الملك فهد بالباحة، والمستشفى الجامعي بدوسلدور في ألمانيا والمستشفي الجامعي ببروكسل في بلجيكا، ومستشفى نيماجن الجامعي بهولندا، ومستشفى الملك فيصل التخصصي, ومركز الأبحاث في الرياض.

ورغم الخبرات الطويلة على مدار عشرون عاما، ورغم آلاف العمليات الجراحية فإن شعوري قبل دخول غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية هو شعور الإنسان الموقن أن فوق كل ذي علم عليم، لذا أستعد لها جيدا أنظر في جوانبها وأرتب أفكاري وأترك كل مشاغلي ولا أرى سوى هذا العمل الذي بين يدي لأعطيه حقه كاملا، وعندما يطلب مني إجراء عمليات جراحية في بلد ما فإن الأمر طبيعي ولا يختلف فالمستوى الطبي في المملكة قد تطور تطورا كبيرا ولا يقل عنه في أي مكان، وقد يكون لي أسلوب في الأداء المهني وإنجاز الجراحات ماليس موجودا لدى طبيب آخر، قد يكون لديه أسلوب مختلف، المهم أن الطبيب السعودي عموما يقف على قدم المساواة علميا ومهنيا مع أي طبيب في أي مكان، والفارق الوحيد بين طبيب وآخر حتى في البلد الواحد، هو الاجتهاد والدأب في تلقي العلم الحديث ذات الصلة بالطب وروافده وتوفيق الله ورضا الوالدين. وحول هجرة البارزين من الأطباء في العالم العربي، أرى أنه لايمكن الوقوف على سبب واحد لهذه الظاهرة إذا صح المصطلح، فهناك عوامل كثيرة ومتباينة منها قصور الإمكانات المادية والإمكانات البحثية في بعض البلدان، ومنها عدم وجود مناخ يساعد على الإبداع والابتكار، ومنها ما يكون من أجل الهجرة نفسها، ولكن يجب أن نعي أن أعدادا كبيرة من الأطباء البارزين في الوطن العربي لم يهاجروا ولا يفكرون في الهجرة و هناك من يتمسك بوطنه ويتحدى العقبات، ويتجاوزها، ويحقق أحلامه وطموحاته داخل الوطن، وبالنسبة لي فقد ارتفعت لدي أسهم العلم وقلت لدي أسهم الحياة المادية وحرمت من التواصل مع الأصدقاء والأقارب لكثرة الانشغال بالعمل في المستشفيات.

وفيما يخص دور المرأة فلا أحد يستطيع أن ينكر دورها الكبير في حياتنا، وفي بناء المجتمع جنبا إلى جنب مع الرجل، وقد تطور هذا الدور كثيرا عما سبق في المملكة إذ تلقت المرأة قدرا كبيرا من التعليم واقتحمت مجالات العمل المختلفة ونبغت في الكثير من الأعمال، ولا أحب أن أتحدث عن منافسة الرجل, فهناك اكتمال الأدوار, وهي مكلفة مثل الرجل تماما وقد جعل لها الإسلام مكانة كبيرة في حياتنا، وكرمها وأعزها وصانها، وهذا من عظمة الإسلام، فكيف لا نعترف بحقها وكيف لا ندعمها وهي الأم والأخت والزوجة والابنة.

وعن أوقات الفراغ واهتماماتي، فإنه بسبب كثرة الأعمال، والانشغال الكبير بالمرضى فإن أوقات الفراغ معدومة تقريبا، ولكنني أنتهز ما يتبقى من وقت خارج العمل للجلوس مع أولادي لأتعرف على أحوالهم واحتياجاتهم ومشاكلهم ونتبادل الرأي في الموضوعات المشتركة، أما الدور الأكبر فهو لزوجتي الكريمة التي تبذل قصارى جهدها من أجل راحتنا جميعا وإضفاء جو من الراحة والسكينة في البيت فلها فضل وعطاء كبير لا أستطيع أن أغفله، وأهتم وسط كل هذا باجتماعات ” الجمعية السعودية لأمراض الذكورة والعقم ” التي تم إنشاؤها بمشاركة مجموعة من الأطباء المتخصصين لعلاج أمراض الذكورة عند الرجال.

وحول قناعتي بما حققته حتى الآن ولله الحمد فعلى المستوى العلمي والعملي أعتقد أنه لا يجب على الإنسان أن يتوقف عن متابعة التطور العلمي وإنجازاته, وأن يستزيد به ،

وقد قمت مؤخرا بتأليف كتاب بعنوان ” إبداع الجنس وعبقرية الجنس الآخر”, طبع منه في الطبعة الأولى50,000 نسخة وفي الطبعة الثانية 100,000 نسخة وتم بيع اكثر من 200,000 نسخة في الطبعة الثانية والثالثة وهذا الكتاب يمثل خلاصة خبرة امتدت لأكثر من خمسة عشر عاما تراكمت فيها خبرات ثرية عبر الجامعات العلمية والمؤسسات الطبية والمراكز الصحية المتخصصة في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة وقد راعيت فيه أن يكون قريبا ومفهوما من مختلف الشرائح الاجتماعية لدينا ومتميزا بالحفاظ على التقاليد الأخلاقية التي يتمسك بها مجتمعنا وتراثنا العريق في عفة العلاقة الزوجية حسب ما نصت عليه شريعتنا السمحة.

وقد تناولت فيه المشكلات الخاصة بالعجز الجنسي وطرق علاجها والتطور الكبير للطب في هذا المجال وآداب الاتصال الجنسي بين الزوجين، والأمراض المختلفة التي أصبحت بفضل الله وما آتانا من علم… بسيطة في علاجها, بالإضافة إلى العقم وأسبابه وسبل علاجه، وغير هذا من الموضوعات ذات الصلة والتي لم تعد خافية على الطب الحديث.

أما ما يشغل تفكيري الآن فهو مشروع إنشاء مستشفى الدكتور طلال مرداد والذي يضم كافة التخصصات الدقيقة في جراحة المسالك البولية والكلى ومشكلات العجز الجنسي وأمراض الذكورة والعقم.